دحض القول بوجود آيات قرآنية منسوخة
دحض القول بأن ما يسمونه بالسنة ينسخ آيات القرءان
بداية يجب العلم بأن آيات القرءان قطعية الثبوت، ويجب على كل محسوب على الإسلام الإيمان الحقيقي بذلك والعمل بمقتضى هذا الإيمان، ومن لوازم ذلك الإيمان بأن آيات القرءان ملزمة وواجبة الاتباع، وأن القرءان هو المهيمن على كل مصادر المعرفة الدينية، فهو الحاكم والقاضي عليها والناسخ لها عند الاختلاف والتعارض، وكل ذلك يقوض قولهم بأن السنة؛ أي مروياتهم الظنية يمكن أن تنسخ آيات القرءان.
ورغم أن القول بوجود آيات قرءانية منسوخة هو إفك كفري أصلا، يجب تجنبه، فإنه لا بأس من التنزل لتفنيد كلامهم فيما يتعلق بالقضية المشار إليها.
وبداية يجب العلم بأن كل المذاهب المحسوبة على الإسلام تؤمن بالمفهوم الكفري للنسخ، وحتى من زعموا أنه يوجد اختلاف في القضية المشار إليها احتجاجا بموقف الشافعي فإنهم يأخذون بأحكام من (السنة) مناقضة لما في القرءان ومنها حكم رجم الزاني المحصن وحكم الوصية وحكم الردة، أما الشافعي الذي كان أول من أصَّل لموضوع النسخ فهو بالفعل واقع في تناقض خطير بإنكاره أن (السنة) تنسخ القرءان رغم ما أسسه هو ورغم الأحكام المذكورة، فطلما اعتبر ما يسميه بالسنة (المرويات) وحيا يوحى، فكان يجب عليه أن يلتزم بما قرره، ولكنه فتح لهم باب الباطل، ثم تهيب من السير إلى نهاية الشوط، ولذلك اعتُبر موقفه هذا، حتى من أئمة مذهبه من بعده، كبوة من جواد وسقطة من سقطات الكبار.
كذلك يجب الإشارة إلى أنهم يقصدون بالسنة تفاصيل العبادات العملية والمرويات والآثار المنسوبة إلى الرسول عبر سلسلة من الرواة، هذا مع العلم بإقرار جمهور العلماء بأن المرويات جلها ظنية؛ يؤخذ منها عمل، ولا يؤخذ منها علم، ولم يخالف في ذلك إلا السلفية الذين جعلوها نظريا مكافئة للقرءان، أما عمليا فقد قدموها عليه.
ومن الجدير بالذكر أن موقف السلفية هو أكثر اتساقا مع أصول المذهب السني من موقف الجمهور، فرغم موقف الجمهور فإنهم -من الناحية العملية- يأخذون بقاعدة أن (السنة) يمكن أن تنسخ آيات القرءان مثلهم مثل السلفية.
ومن المعلوم أنهم يستندون في قولهم بالنسخ إلى سوء تفسيرهم لآيتين؛ هما.
{مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} [البقرة:106].
{وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُون} [النحل:101].
أما الآية الأولى فتتحدث عن إمكانية نسخ آية بآية خير منها أو مثلها، ومن المعلوم أن اللفظ المفرد "آية" لم يرد في القرءان أبدا بمعنى عبارة قرءانية بين فاصلتين، فلا يجوز القطع بأن المقصود هنا هو آية قرءانية، ومع ذلك فقد فشلوا فشلا ذريعا في أن يأتوا بآية قرءانية تكون بكاملها منسوخة، وقد آل قولهم عمليا إلى أن المقصود هو نسخ حكم جزء من آية قرءانية، وهذا ما ليس لديهم أي دليل قرءاني عليه، ولكنه العناد والإصرار على الكفر.
وحتى بالتسليم بأن المقصود في الآية في [البقرة:106] هو حكم جزء من آية فمن المفترض أنها لا تُنسَخ إلا بما هو خير منها أو مثلها، ولا يمكن أن تكون المروية الظنية الواردة في كتب المرويات خيرا من الآية القرءانية أو حتى مثلها، ولقد ذكر الله تعالى في كتابه أن القرءان هو أحسن الحديث، وأنه كلمته، وكلمته هي العليا، ومن يجادل في ذلك فليقرأ ويقارن بنفسه، هذا فضلا عن أن آية القرءان المتضمنة لأحكام ملزمة هي قطعية الدلالة وقطعية الثبوت، فهي أفضل بذلك من المرويات، كما أنها أفضل بكثير جدا من المرويات بأسلوبها المعلوم الذي يقطع بأنها لم تصدر بهذا الشكل عمن هو أفصح العرب.
أما الآية [النحل:101] فهي تتحدث عن تبديل آية بآية، فلا يجوز الاحتجاج بها أصلا للقول بأن مروية تنسخ آية قرءانية.
إن من مسلمات دين الحق أن القرءان هو المصدر الأوحد لأمور الدين الكبرى، ومن أمور الدين الكبرى مصادر الدين نفسها، فأي مصدر ديني غير القرءان يجب أن يكون منصوصًا عليه صراحة فيه في آيات محكمة، وأتباع الأديان التي حلَّت محل الإسلام يسلمون بأن القرءان هو المصدر الأول للدين، لذلك ليس لهم أن يماروا في القول المذكور، أي يجب أن يسلموا أيضًا بأن أي مصدر ديني غير القرءان يجب أن يكون منصوصًا عليه صراحة فيه في آيات محكمة، وهم بالفعل يحاولون تحريف معاني بعض الآيات وليّ عنق آيات أخرى وتحريف مصطلحات وإحداث مصطلحات ليفسحوا مكانًا للمرويات في الدين، وهم بذلك يكونون قد مرقوا من دين الحق بقدر ما مارسوا من تضليل وتحريف.
وللقرءان منظومة سمات ثابتة به، هي من أمور الدين الكبرى، وهي تقوض كل محاولاتهم لجعل المرويات مصدرا مستقلا للدين، منها أنه كتاب مبين ومبيِّن وتبيان لكل شيء، فهو يبيِّن بعضه بعضا فضلًا عن أنه يبين غيره، ومنها أن الله تعالى وصفه ببعض سماته، فهو النور والمبين والحكيم والحقّ والمجيد والعزيز والعليّ الحكيم والعظيم والكريم والمهيمن، فهو من تجليات هذه الأسماء الإلهية، وذكر أنه كلمته التامة وأنه المهيمن على الكتب المنزلة، فكيف سولت لهم أنفسهم أن يقدموا مرويات عليه؟
وهناك موقف أرباب الدين الأعرابي الأموي من المرويات، ألا يكفيهم أن المرويات لم تُجمع إلا في القرن الثالث الهجري من بعد أن أحرقت أو بددت أصولها؟ ومن بعد أن تمزقت الأمة وتفرق الدين وسفكوا الدماء وأفسدوا في الأرض؟ أم كيف يحكمون تراثا ظنيا مشبوها في كتاب الله العزيز العليم؟
وبعد كل ذلك فالرأي هو أن المصرّ على أنه يمكن نسخ القرءان بما يسمونه بالسنة (المرويات) هو معتد على القرءان، كافر ببعضه؛ فهو كافر بنص الرسالة الأصلي، فيجب أن يُستتاب وإلا (قُتِل) على شريعة (شيخ الإسلام) ابن تيمية، ولكن الأصح هو أنه يجب أن يُستتاب وإلا جُرِّس وفُضِح على رؤوس الأشهاد، هذا مع العلم بأن أكثر الناس لا يعلمون شيئا عن قولهم الكفري المذكور، ولو علموا به لاستبشعوه، إنه يجب ألا يتهاون المسلمون في الجهاد دفاعا عن كتاب ربهم ضد طائفة من ألد أعدائه، هم سدنة المذاهب المحسوبة على الإسلام وتجار الدين.
*******
1