نظرات جديدة في المرويات
خلاصة القول في مذهب الجمهور
خلاصة القول في مذهب الجمهور
1. جمهور الفقهاء مجمعون على أن أكثر المرويات هي أخبار آحاد ظنية لا تفيد العلم، ولكنها -مع ذلك أو رغم ذلك- توجب العمل، أما السلفية فيصرون على أنها توجب العلم والعمل، فهي عندهم نظريا كآيات القرءان من حيث التشريع، أما عمليا فهي مقدمة على آيات القرءان، فدينهم هو أساسا دين المرويات، ةهم يقضون بها على كتاب الله ويحكمونها فيه، ولقد أصبح ذلك هو الموقف الرسمي المعلن والمتبع، والذي يتبجحون به الآن ويصرخون به على رؤوس الأشهاد، ويتحدون به ربهم وعباده والحكام والمحكومين.
2. ويعطي الفقهاء لأنفسهم الحق في رفض المرويات الصحيحة والأخذ بالمرويات المنقطعة نتيجة لزعمهم بأن لديهم خبرات ذاتية خاصة وإحاطة بالأمور وإدراك لأسس الشريعة أفضل مما لدى المحدثين، ولا توجد أي مشكلة –كما يزعمون- في ذلك، فما يصححه المحدث قد لا يأخذ به الفقيه، وما يرتضيه الفقيه قد لا يعترف به المحدث، وكلٌّ راضٍ عن الآخر في عمله، شاكرٌ له جميل سعيه.
3. لم يحدث أبدا أن حاول الطرفان، المحدثون والفقهاء، التباحث بجدية في هذه المسألة بهدف حسمها، ويبدو أن حالة الرضا العميق والغبطة التي يشعر بها كل طرف تجاه الآخر شغلتهم عن ذلك، ولكن الحقيقة هي أنه توجد مشكلة حقيقية عويصة، فلابد من وجود أخطاء جسيمة في مناهج ومعايير طرفٍ منهما أو في مناهج ومعايير الطرفين معا.
4. ومع ذلك يجب التسليم بأنه ليس لدى المحدثين ما يمكن أن يقدموه، لقد انتهى هذا الأمر، فلم يبق إلا تقويم أو تقييم نتائج عملهم، أما هم وأتباعهم فيعتقدون أنهم وصلوا إلى قمة علمهم.
5. وثمة مشكلة كبرى أخرى وتناقض هائل وقع فيه الجمهور، وهو قصرهم الأمر المذكور على الفقهاء بالمعنى الذي استقر عندهم للفقه، فهؤلاء الفقهاء هم علماء الأحكام الشرعية العملية، ولا يوجد أي مبرر لذلك، ولا يوجد إلا حلان ممكنان لهذه المشكلة:
إما التسليم بما أحدثوه ويكون الحل هو تعميم تصرف الفقهاء على كافة جوانب الدين الأخرى مثل العقائد وأركان الدين المهملة والسيرة والقصص القرءاني وكل ما اختزلوه من أمور الدين الموجودة في القرءان مثل القيم والأخلاق والوجدانيات ومناهج الذكر والتزكية وتوطيد الصلة بالله تعالى.
وإما اتباع دين الحق الذي ندعو إليه، وفي هذه الحالة يتم استبدال تعريفنا للفقيه الحقيقي بتعريفهم المختزل له، فالفقيه الحقيقي في الدين هو الملم بدين الحق المستخلص من القرءان والمحيط بمنظوماته وعناصره والمتمرس بالمنهج القرءاني القادر على إعماله لاستخلاص القول القرءاني في أية مسألة.
6. وباتباع منهجنا لا يكون فحص وتمحيص المروية مفوضا إلى أمرٍ ذاتي خاص بالعالم بالأحكام الشرعية العملية، ولكنه يكون باتباع منهج قرءاني علمي صارم لا يختلف فيه اثنان إذا أحاطا به وتمرسا باستعماله، فيكون رفض المروية بسبب تعارضها التام مع أصل قرءاني، ويكون القبول بها نتيجة لاتساقها مع عناصر دين الحق وإمكان اندراجها في إطاره، فالمنهج حقاني موضوعي، ولا توجد أية عشوائية أو ذاتية في الأمر، وما يتم إنجازه يمكن البناء عليه، فالعلم النافع تراكمي.
7. وبذلك يتضح أن منهجنا هو تتويج لجهود كانت -تحت تأثير الحاجات الحقيقية الملحة- تسعى نحو الحقيقة، ولذلك فهو لا يلغي مجهودات (الفقهاء) الناجحة فيما يسمونه بالأحكام الشرعية العملية ويأخذ بأكثر ما توصلوا إليه من قواعد تشريعية بعد بعض التعديلات اللازمة.
8. ومنهجنا أيضا هو الذي يوفر الحل اللازم لمشكلة المحدثين ومعاييرهم، وبالطبع لا يمكن أن يسلم هؤلاء بوجود أي خطأ أو خلل في النتائج التي توصل إليها أربابهم، هذا مع أن سلوك الأمة منذ محاولات جمع وتمحيص المرويات إلى الآن يقطع بوقوع خلل لا يمكن تداركه في هذا المجال، فالمحدثون وغيرهم يحاولون حل مشكلة مستحيلة الحل أصلا، ولو فقهوا لأدركوا أن الوصول إلى أن حل مسألةٍ ما مستحيل هو في حد ذاته علم، ولو فعلوا لأراحوا واستراحوا، والعالم بدين الحق يعلم أن هذا الدين هو أصلا ليس بحاجة إلى حل لهذه المشكلة التي هي في ذاتها مستحيلة الحل، ولكنه يدرك أنه توجد مسائل رياضية هي بحكم تكوينها لا حل لها، ولكن المشكلة هي أن السلفية قد قرروا رغم ذلك اعتبار المرويات هي آيات دينهم الحقيقية.
*******
أما علم الجرح والتعديل فهو قائم على أن مجموعة من المجروحين المائلين المعدودين المائلين أعطت لنفسها الحق دون تكليف من أي سلطة دينية رسمية في الحكم على ستة أجيال من البشر بأنهم إما مجروحون وإما عدول ثقات، وكانت طريقة التثبت تقوم على استدعاء كل رجل من قبره والاطلاع على بطاقة هويته والتأكد أنه مكتوب فيها في محل كتابة المهنة: "ثقة-عدل-سيموت مؤمنا"، وليس أي شيء آخر.
وأحيانًا كان الجهبذ يركب آلة الزمن ليعود إلى الوراء لفحص صاحب كل اسم من رواة المروية، حتى وإن لم يكن له أي وجود أصلا، ثم يستعمل آلة كشف الكذب للتأكد من أنه لم يكذب، ثم يحضر لحظة احتضاره ليتأكد أنه مات مؤمنا.
وأحيانا كان يتم استدعاء منكر ونكير الذين استجوبا الرجل لزيادة التأكد من الحكم الذي سيصدر على الرجل.
ونتيجة لكل ذلك لم يكن ثمة احتمال لحدوث أي خطأ، ولذلك أيضًا لا يكاد يوجد رجل إلا واختلفوا بشأنه، وحصيلة كل ذلك أن قالوا إن علم الحديث قد نضج حتى احترق واحترقت معه الأمة.
ولا يمكن بعد ذلك لصديق أو زنديق وما بينهما إلا أن يشكك في صحة ومصداقية النتائج التي خلص إليها الجهابذة.
وبالنسبة لمن يصححون ويضعفون في العصر الحديث فقد قال الشيخ الكوثري: "وغاية ما يمكن للمجتهد في الحديث في القرون الأخيرة معرفة مراتب الحديث كمعرفتهم (أي كمعرفة المتقدمين) بها، لا أن يصحح ما ضعفوه أو يضعف ما صححوه أو يثبت ما لم يثبتوه ....، وقد جفت الصحف ورفعت الأقلام في تصحيح ما صح في القرون الأولى من عهد التدوين، وإلا لكانت الأمة ضلت عن سواء السبيل، ....، بل قصارى ما يعمله المحدث حفظ المروي ومعرفة وصفه، .... "!!!!
وهذا يعني أنه يجب على الأمة المبادرة بإبادة من يسمون أنفسهم بعلماء الحديث أو إعادة تأهيلهم والاستغناء عنهم بأئمة الحفاظ الجدد، ألا وهم:
الإمام الحافظ Flash memory.
الإمام الحافظ Hard disc
الإمام الحافظ CD
ويتم الآن إنتاج هؤلاء الأئمة بالملايين، كما يتم تطويرهم باستمرار وتحسين قدراتهم.
أما إذا لم يعجب الأمة هذا الكلام فليس أمامها إلا أن تبحث لنفسها عن دين آخر أو أن تخبط رأسها في أصلد جدار!! فلم يترك لها الجهابذة أي خيار آخر!!!!
*******
1