top of page

من هدي القرءان الكريم

سورة الحج

سورة الحج 47

{ وَيَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِٱلۡعَذَابِ وَلَن يُخۡلِفَ ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥۚ وَإِنَّ يَوۡمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلۡفِ سَنَةٖ مِّمَّا تَعُدُّونَ } [سورة الحج:47]

عندما يواجه الناس دعوة جديدة فإن ردّ الفعل الأولي لأكثرهم هو الرفض الباتّ، ثم يشجع بعضهم بعضا على الاعتصام بموقفهم هذا، ويشد بعضهم في ذلك أزر بعض، ويعملون على كبت أي نزعة للخير تكون في أنفسهم يمكن أن تحملهم على شيء من الإصغاء لخطاب الداعي، ويتمادون في الاستخفاف بأمر الرسالة أو الدعوة، والسخرية منها.

وعندها ينذرهم الداعي، ويحذرهم من مغبة أفعالهم، ومن عاقبة رفضهم وعنادهم، فالسنن الإلهية الكونية لا تبديل لها ولا تحويل، والرسائل لا تنزل من عند الله تعالى عبثا، ومن يرفضها سيحيق به لا محالة سوء عمله وستسوء عاقبته.

والرسل هم من مظاهر الرحمة الإلهية، وهم يعلمون جيدًا ما يمكن أن يحيق بأقوامهم إذا ما أصروا على كفرهم، ولذلك فهم يبذلون قصارى جهدهم معهم لهدايتهم، وقصة نوح عليه السلام تظهر ذلك بكل جلاء، قال تعالى:

{قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا (9) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20) قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24)} نوح

ولكن الأسماء الإلهية قد اقتضت من قبل ألا يُعجل للناس العذاب، فلابد أن يأخذ كل إنسان فرصته كاملة علَّه يراجع نفسه ويثوب إلى رشده، ومن المعلوم أنه لو عجَّل الله تعالى للناس العذاب لهلك أكثرهم سريعا ولما كان للابتلاء من معنى، ولا حاجة لله تعالى بذلك، فهو لو شاء من قبل لآتى كل نفس هداها.

ثم تلفت الآية نظرهم إلى أمر يجهلونه، وهو أن الزمان بيد الله تعالى يقدره ويصرفه كيف يشاء، ويتحكم فيه كما يشاء، فهو من مقتضيات أسمائه ومن تقديراته، فهو المحيط بالزمن بينما هم خاضعون لمقتضياته ويتأثرون بمروره، ولا يمكن أن يتأثر الحق سبحانه باستعجالهم عذابه ولا يمكن أن يحمله ذلك على تغيير سننه.

والآية تشير إلى نسبية الزمان، فالوحدة الزمنية الخاصة بالاسم الإلهي "الرب" مقدارها ألف سَنَةٍ مِّمَّا يَعُدُّونَ، فلا معنىً إذًا لاستعجالهم، فلابد أن يأخذ الزمان دورته، وتنقضي أيامه المقررة والمقدرة.

والآية أيضًا تتضمن تهديدا ووعيدا لهم، فلو دروا ماذا يعنيه أن يوما من أيام الرب بألف سنة مما يعدون لارتجفوا من هول العذاب الذي ينتظرهم ومن طول أمده!

*******

وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47) 

من شرّ ما يمكن أن يفعله الكافرون أن يستعجلوا رسولهم بالعذاب، ولقد حذرهم الله تعالى في القرءان من مسلكهم هذا، قال تعالى:

{أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (204) أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207) وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا لَهَا مُنْذِرُونَ (208) ذِكْرَى وَمَا كُنَّا ظَالِمِينَ (209)} الشعراء

{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (53) يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ (54) يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (55)} العنكبوت

{أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ (177)} الصافات

{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَاب} [الرعد:6]

فاستعجالهم العذاب يبين كيف أن الإصرار على الكفر يجعل المرء سفيها لا يقدر الأمور حقّ قدرها، ولقد بيَّنت الآية السابقة كيف أنهم بالفعل بلا قلوب تعقل أو تسمع.

والحق أن السنن الإلهية لا تبديل لها ولا تحويل، وهي مقتضى شؤون لمن هو الحق المطلق الذي لا يتغير، ومن هو الكبير المتعالي لا يبالي بشغب من هم أشبه بالعدم، وكل أمر لابد أن يبلغ مداه، ولابد لكل حلقة كونية من الاكتمال، ولابد من تحقق المقاصد الوجودية، وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ، وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ.

أما القرى التي كذبت الرسل فقد جعلهم الله سلفًا ومثلًا للأخرين، وهلكت كل قرية عندما حل أجلها المقرر لها.

*******

قرأ الجمهور تَعُدُّونَ، وقرأه آخرون يَعُدُّونَ.

مِمَّا تَعُدُّونَ = من ما تَعُدُّونَ: حرف جر، اسم مركب في محل جرّ بالحرف من

*******


1

bottom of page