من هدي القرءان الكريم
سورة الممتحنة
سورة الممتحنة 9
سورة الممتحنة 9
{إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون} [الممتحنة:9]
النهي عن الموالاة إنما يتعلق بالمتورطين في أعمال عدوانية ضد الأمة، فكيف يوالي بعض أفراد الأمة من يقاتلون الأمة في دينها أو يسعون لإخراجها من ديارها ويظاهرون عليها أعداءها؟
إن صياغة الآية تدل على أن التعامل الطبيعي المسلم به بين الناس هو البرّ والإقساط إليهم، فلم يكن ثمة ما يبرر أن يأتي أمرٌ هاهنا بذلك، وإنما بيان بأنه لم يحدث أمر بما يخالف ذلك.
والبرّ هو جماع أعمال الخير وحسن الخلق، ومن مظاهر الإقساط احترام حقوقهم وعدم التفرقة بين الناس على أسس دينية أو مذهبية.
والمبررات الشرعية لقتال الكفار هي أن يُقاتلوا المؤمنين لمجرد أنهم مؤمنون وأن يضطهدوهم إلى حدّ إخراجهم من ديارهم وأموالهم أو أن يُظاهر أعداءهم عليهم، أي أن يعاونوهم على النيل منهم وتحقيق مقاصدهم فيهم.
ومن البديهي أن من يتولى أمثال هؤلاء يكون عدوا للأمة ظالمًا لها ولنفسه، مقترفًا ما يُسمَّى الان بالخيانة العظمى.
فأساس تحديد المعاملة ليس الكفر، وإنما موقف هؤلاء الكافرين من المؤمنين، فإذا كانوا مسالمين لهم، لم يعتدوا عليهم، ولم يقاتلوهم في دينهم، ولم يظاهروا عدوهم عليهم فلا مبرر لمعاداتهم، ويجب معاملتهم بالبرّ والإقساط، وهذا أمر مسلم به، ولم يرد أي نهيٍ عنه.
وقد زعم المولعون بالنسخ أن هذه الآية منسوخة بآية السيف، هذا مع أن الحكم هنا عام بينما حكم الآية {فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ} حكم خاص بأقوام معينين في زمنٍ معلوم.
*******
النهي هنا هو عن أن يتولوا الطوائف المذكورة، وهم الذين اقترفوا أعمالا عدوانية ضد المؤمنين من حيث أنهم مؤمنون، بمعنى أنهم قاتلوهم لمجرد أنهم مؤمنون أو أخرجوهم من ديارهم أو ظاهروا على ذلك، بمعنى أنهم اقترفوا أعمالا عدوانية توجب مقاتلتهم دفاعا عن كيان الأمة، فلا شك أن أية عملية تولي لهم هي ما يُسمى بلغة العصر الحديث تخابر مع الأعداء أو الخيانة، ومن المعلوم أن السورة تتضمن الحديث عن رجل أرسل يفشي تحركات المؤمنين العسكرية ونواياهم لكفار قريش.
***
قال تعالى:
لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) الممتحنة
وقال:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52)} المائدة
ولا يوجد أي تناقض بين الآيات فالنهي هو عن توليهم إذا كانوا متورطين في أعمال عدائية ضد المؤمنين، أما الأمر ببرهم والإقساط إليهم فهو الحالة الطبيعية التي لا يجوز الخروج منها إلا للضرورة القصوى، فآيات القرءان يبيِّن بعضها بعضا وتتكامل لتعطي القول القرءاني الكامل.
*******
1