top of page

البنية الأساسية لدين الحق

منظومات السنن والأحكام العملية

منظومةُ السنن المتعلقةِ بالمرأة

إن الله تعالى خلق الناس من ذكر وأنثى ليتعارفوا وليكمِّل بعضهم بعضا وليثري الحياة، والمرأة هي كائن إنساني مكرم ومستخلف في الأرض وحامل للأمانة، وقد جعل الله تعالى مناط الأكرمية عنده التقوى والعمل الصالح والقلب السليم، وليس النوع أو القبيلة أو الشعب، والمرأة مأمورة بالقيام بأركان الدين لتحقيق مقاصد الدين، ولها كافة الحقوق المقررة للإنسان، ومنها حق التعلم وحق العمل، والتكليف والولاية منوطان بالمرأة كما هما منوطان بالرجل، لذلك فللمرأة أن تلي من الأمور ما هي أهل له وجديرة به ولها أن تدعو إلى الخير وأن تأمر بالمعروف وأن تنهى عن المنكر.

والإسلام هو دين الفطرة، والمجتمع السوي الفطري لا يفصل فصلا مطلقا بين الذكر وبين الأنثى وإنما يسمح بالاختلاط والتعامل الطبيعي السوي بين النوعين مع تعليم الناس الآداب والأخلاق اللازمة والسنن الواجب اتباعها، لذلك أمر الإسلام بغض البصر والاحتشام في الملابس والكلام والسلوك، ولم يرد في القرءان ما يلزم الناس بعادات وتقاليد البدو والأعراب ولا الفرس ولا الترك.

نعم إن كلا من الرجل والمرأة فتنة للآخر ولكن هذا لا يستلزم أبدًا العزل المطلق بينهما، ذلك لأن التعامل بين النوعين من لوازم نمو شخصية كل منهما واكتمالها ومن لوازم الصحة النفسية ومن لوازم متانة البنيان النفسي، وكل أمور الحياة الدنيا هي ابتلاء للإنسان، فلا يجوز إبطالها كلها سدًّا لأبواب الفتنة.

كذلك لا يجوز حبس المرأة في بيتها دون ذنب جنته ولا حرمانها من حقوقها التي كفلها لها الدين، بل إن ذلك هو من العدوان المبين.

إن حق المرأة في التعلم لا يمكن أن يكون أبدا موضع جدل أو نقاش، وحرمان أي إنسان من التعلم هو جريمة كبرى وإثم عظيم، ولو كان سد كل ذريعة للفتنة من مقاصد الدين لكان لزاما على البشرية جمعاء أن تتخلص من أجسامها المادية، بل يجب العلم بأن جعل البعض للبعض فتنة هو من السنن الإلهية التي لا تبديل لهل ولا تحويل.

إن الله تعالى هو الذي خلق الرجال والنساء وجعل بعضهم لبعض فتنة وذلك لدفع كل إنسان إلى التحقق بكماله المنشود ولتحقيق مقاصد وجودية معلومة لديه، فعلى رجال الكهنوت ألا يتصوروا أن بإمكانهم تصريف الأمور الوجودية بطريقة أفضل من تلك التي اقتضاها الله من حيث أسماؤه الله الحسنى.

إن كل كائن بشرى هو ثروة كبرى تضاف إلى رصيد الأمة ويجب على الأمة أن توفر الأسس والآليات الكفيلة بالاستخدام الأمثل لتلك الثروة، أما الأمة التي تقدس الأسس والآليات الكفيلة بالقضاء على قطاع هائل منها فإنما تدمر نفسها بنفسها مثلما فعلت تلك الأمة الضالة قبل أن يتجرأ عليها أعداؤها، إن من أسباب انهيار هذه الأمة قضاءها شبه التام على نصف ثروتها البشرية بموقفها الإجرامي الجهلوتي من النساء.

ومنظومة السنن المتعلقةِ بالمرأة هي من منظومات دين الحق، وهي تتضمن السننَ والتعليماتِ المتعلقةَ بالمرأة، ومنها:

المرأة لها كافة حقوق الإنسان المقررةِ في القرءان.

ولها كافة حقوقها الخاصة كمسلمة.

المرأة إنسان مكرَّم كالرجل ومستخلف في الأرض مثلُه.

المرأة حاملة للأمانة كالرجل ومطالبةٌ بالقيام بأركان الدين لتحقيق مقاصد الدين بأن تكون إنسانا صالحا مفلحا وبأن تعمل على بناءِ الأمة الخيرة الفائقة.

المرأة ملزمة بالقيام بواجباتها تجاه الكيانات الإنسانية الأكبر منها مثلِ الأسرة والأمة.

للمرأة حق الولاية كالرجل ولها أن تأمرَ بالمعروف وأن تنهى عن المنكر وأن تدعو إلى الخير.

المرأةُ ملزمة بالعمل الصالح الذي يقتضيه العصرُ وتؤهلها له إمكاناتها وقدراتها.

مناط التفاضل بين الناس ليس النوع وإنما التقوى، والتحقق بها ممكن للمرأة.

للمرأة من الحقوق من حيث طبيعتها مثلُ ما عليها من الواجبات.

الزواج مودةٌ ورحمة وليس استعلاءا من الرجل على المرأة، وليس إذلالاً لها ولا حرمانا لها من حقوقها ولا استعباداً لها ولا امتهاناً لكرامتها.

عقد النكاح هو ميثاقٌ غليظ وليس عقدَ انتفاع ببضع، وكونه كذلك يجعل إبرامه أمرًا جادا خطيرا يلزم فيه الإشهاد والتوثيق وفقا لمتطلبات العصر والمصر، فلا مجال للعبث فيه.

المرأةُ لا تُكْره على ما لا تريد في أمر الزواج، فالأصل في العقود والمواثيق، التراضي بين أطرافها.

للرجل على المرأة حق القوامة في الأسرة كما لابد لكل جمع من قائد، وهو في مقابل ذلك ملزم بالإنفاق على الأسرة، فهو المسئول بالأصالة عن ذلك.

إذا ما أصبح استمرار الحياة الزوجية أمرًا مستحيلا قد يؤدي إلى ألا يقيما حدود الله يمكن للرجل أن يطلق امرأته كما يمكن للمرأة أن تخلعه، هذا مع الحفاظ على الحقوق بالمعروف.

الطلاق عملية معقدة مركبة، فهو مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ، ويجب الالتزام بما قرره القرءان بخصوصه، والضرب بما يتعرض معه عرض الجدار، وكما كان عقد النكاح ميثاقًا غليظا فإن نقضه أمر جاد وخطير يلزم فيه الإشهاد، ولا مجال للعبث فيه، ويجب سنَّ ما يلزم من قوانين لردع المتلاعبين والعابثين.

يجب مراعاةُ الطبيعة الخاصة بالمرأة وعدمُ الإثقال عليها وعدم محاولة إخراجها عن طبيعتها.

على المرأة أن تلتزم بالآداب القرءانية فعليها ألا تتعمد إظهار مواضع الفتنة منها وألا تستثير غرائز الرجال بالتصنعِ أو الخضوعِ بالقول وعليها أن تتحفظَ في زيها وسلوكها، ولكنها غير ملزمةٍ بزىٍّ أعرابِ القرن السابع الميلادي، بل لها أن ترتديَ ما يناسب عصرها وبيئتها وفقاً للعرف السائد وعليها ألا تعتدي بالمغالاة في هذا الأمر.

المرأةُ ملزمة كالرجل بالغض من بصرها وبحفظ فرجها.

كلُّ ما للرجل من حقوقٍ تمليها طبيعة العصر وما عليه من واجبات هي للمرأةِ أيضاً فلها حق التعلمِ والعملِ وفقاً للقدرات والتأهيل وحق التمثيل النيابي وحق الشورى وحق الولاية.

على المرأة أن تتلقى التعليمَ اللازم لرعاية أبنائها وحسن تربيتهم وإعدادهم.

كل أمور الجنة فوق التصورات البشرية، ويجب الثقة في العدالة الإلهية، فللمرأة في الجنة ما تشاء ولدى الله المزيد.

*******

إن الأمر بأداءِ الأمانات إلى أهلها هو من أقوى الأوامر القرءانية، وحقوق الإنسان إجمالاً هي من أكبر الأمانات، وحقوق الإنسان إما أن يكون منصوصًا عليها في القرءان، وإما أن تكون من مقتضى النصوص وفحواها، وهي أيضًا قابلة لأن تتسع وتتكشف بالتطور والتقدم انطلاقًا مما هو منصوص عليه، وإذا كان من حق الرجل أن يمارس عملا كالقضاءِ مثلاً بين الناس وفقًا لتأهيلٍ معين يتلقاه وتلقت المرأة نفس التأهيل فإن حقها في ممارسة نفس العمل يصبح مكفولاً وليس من حق أحد أن يطالب بنص لإثبات ذلك ولا يحتاج إقرار ذلك إلى أية فتوى، إن لمنظومة القيم الإسلامية ومنظومة مقاصد الدين الحكم والسيادة على كل ما يمكن أن يستجدَ من الأمور، ومن أركان منظومة الدين القيم الحق والعدل والقيام بالقسط، فليس من حق أحد أن ينتهك قواعد العدالة بحجة سدِّ أية ذريعة.

وإذا كان أهل القرون الأولى لم يسمحوا للمرأة بممارسة الكثير من حقوقها فلا ينهض ذلك حجة على أحد، فتصرفات الناس تتأثر بعاداتهم وتقاليدهم وسقفهم الحضاري، ولقد تقبل بعض أهل القرن الأول على مضض ما قرره الإسلام للمرأة، ولا عجب في ذلك فقد كانوا من قبل في ضلال مبين، ولا يمكن التحرر من التقاليد الراسخة بين يومٍ وليلة خاصة في عصر كان للقوة البدنية العضلية والمهارة في القتال بالأجساد أهمية قصوى، ولقد رأى الناس أن أهمية القوة البدنية قد تراجعت كثيرا، وأن هناك من الإناث من تفوقن كثيرا على الذكور في الملكات الذهنية والعلمية، والحكم هو لمنظومات الدين الكبرى وأوامره البينة الواضحة، فلا يجوز لأحد أن يئد المرأة حيةً بحجة حماية نفسه من الفتنة، ولقد أخذ السلف من الآثار ما يلائم الطبيعة الأعرابية وهولوا من أمره وفرضوه على الدين، والدين بريء منه، والدين العالمي لا يمكن أن يخضع لعادات وتقاليد بيئة محلية ولا أن يتحول إلى ممارسات فلكلورية ولا أن يقر التسلطات الذكورية البدائية!

ولا يجوز حرمانُ المرأة من حقوق مثل المشاركةِ في الحياة النيابية مثلاً بحجة أنها لم تضف جديداً أو أن التجربة بحاجة إلى التقويم.

ومن عجائب السلفية احتجاجهم بكون السيدةِ خديجة أو الشهيدةِ سمية لم يمارسا ما يسمونه بـ(العمل السياسي)!!!! ليحرموا المرأة من حقوقها، هذا مع أن السيدة عائشة مارسته وتورطت فيه بشدة، وهي مقدسة لديهم!

*******

إنه لا يجوزُ الاعتداءُ على حقوق المرأة وكرامتها بحجة حماية الرجال من الفتنة ولكن يجبُ سنُّ القوانين التي تتكفلُ بتأديب الرجل لو تحرش بالمرأة أو تعدى على حقوقها، ودينُ الفطرة لا يعتبر المرأة عورة ولا سوأة ولا يطلب من الناس وأدها حية، ولا يقول بالعزل المطلق بين الرجال وبين النساء، بل إنه يسمح بالتعامل الفطري الطبيعي السوي بين النوعين.

كما يجب أيضًا العمل على صيانة حقوق الزوج والأطفال، ولذلك يمكن أن تختار المرأةُ الأعمال التي لا تؤدي إلى إهدار الحقوق المذكورة، وفي هذا العصر يوجد الكثير من الأعمال التي يمكن أن تمارسها المرأةُ في بيتها ومن بيتها، وباطِّراد التقدم يمكن أن تمارَس أكثر الأعمال من البيت، ويمكن للدول الجادة التي تريد النهوض والتقدم أن تأخذ بمبدأ تقسيمِ العمل.

وكلما تقدمت البشرية ازدادت أهمية الأعمال الذهنية، والآن يمكن ممارسة التعليم والكثير من الأعمال مثل أعمال البنوك والاتصالات في البيت باستعمال كمبيوتر موصل بشبكة المعلومات، لذلك يمكن أن يتخصص أكبر عدد من النساء في أعمال كهذه، وذلك لشدة حاجة أطفالهن لهن، وبذلك يمكن تجنب الخسارة الاقتصادية الباهظة التي تلحق بالدولة وأصحاب الأعمال من جراء كثرة إجازات الوضع ورعاية الطفل والتي تجعل أصحاب الأعمال يحجمون عن تعيين الإناث.

ومن المعلوم أن نظام الحضانات لا يوفر للطفل ما توفره له أمه ولا يوفي بسائر احتياجاته النفسية.

ولقد ذكر الله تعالى الحكمة من خلق الناس من ذكر وأنثى في قوله

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}،

وأعلن بذلك أيضا مناط التفاضل عنده وهو التقوى، وهي لا علاقة لها بذكورة أو أنوثة.

ولم يرد في كتاب الله تعالى أن المرأة سوأة أو عورة كما لم يرد أنها زهرة أو جوهرة، ولكن الكتاب نصَّ على أنها إنسان مسئول ومكلف تماما كالرجل ولها حق الولاية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالنساء لهنَّ مثل الذي عليهن بالمعروف، وهن مستخلفات في الأرض حاملات للأمانة مثل الرجل ومطالبات بالقيام بأركان الدين لتحقيق مقاصد الدين، ويجب العلم بأن القرءان هو بلسان عربي مبين، لذلك يستعمل الأساليب العربية من الحديث عن الجمع الذي يتضمن رجالا ونساء بضمير المذكر، ومع ذلك فقد فصَّلت بعض الآيات الخطاب لتأكيد حقوق المرأة وواجباتها ولنفي ما سيشيعه الناس من أن القرءان كتاب ذكوري!

وقد رووا أن الرسول قال: "إن النساء شقائق الرجال".

أما الزواج فهو ميثاق غليظ، وهو بذلك عقد ملزم للزوجين، لابد فيه من الإشهاد، أما إذا تعذرت الحياة بين الزوجين ويصبح لا مناص من الطلاق فيجب أن يتم بالأسلوب الشرعي السليم وأن يتم فيه الإشهاد أيضا، والطلاق مرتان، وكل تطليقة هي متبوعة بعدة لابد من إتمامها، فلا معنى لتتابع التطليق اللفظي ولا قيمة له.

إن الله تعالى خلق الناس من ذكر وأنثى ليحقق مقاصده الوجودية ومنها أن يثري العلاقات بين مخلوقاته لإظهار آياته وكمالاته، وكمال كل إنسان أن يتوافق مع فطرته، ولم يجعل الله سبحانه من نوع الإنسان سببا لاستحقاقه أي اضطهاد أو امتهان، بل إن المسلم يتعبد إلى الله تعالى باحترام حقوق الإنسان وكرامته، أما مخالفة المقاصد الوجودية فعواقبها وخيمة، ولقد شهد العالم أن هذه الأمة قد دفعت غاليا ثمن أخطائها في حق المرأة ككيان، ومن ذلك ما فعلته الجواري والإماء بالخلفاء والسلاطين، ومن ذلك أنه قد سُلِّط عليها نساء مثل إيزابللا الإسبانية وأنديرا غاندي الهندية وجولدا مائير الإسرائيلية فأذقنها وبال أمرها، ولقد كان من أكبر أسباب الكوارث التي ضربت هذه الأمة التعسة حرمان المرأة من حقوقها.

إن الإناث يشكلن نصف الثروة البشرية لأية أمة، ويجب على كل أمة تسعى لتحقيق مقاصد الدين العظمى، ومنها أن تكون أمة قوية صالحة ربانية، أن تحسن استثمار ما لديها من موارد والثروات، ولذلك عليها أن تتطهر من النزعات الأعرابية البهيمية في النظر إلى الإناث والتي كانت وليدة بيئتهم الغليظة القاسية، إن أعظم الموارد والثروات لم تعد هي العضلات الجسدية وإنما الملكات الذهنية، فلا يجوز إهدار وتبديد نصفها، ولقد دفعت الأمم المحسوبة على الإسلام ثمن ذلك باهظا، وقد تحقق تقدم ملحوظ نحو تصحيح الأوضاع بالنسبة لحقوق المرأة في بعض البلدان، ولكن المراكز الشيطانية الشركية لم تسلم أبدا بهزيمتها، وستظل تقاوم محاولة الرجوع بالأمر إلى أسوأ مما كان عليه في العصر الجاهلي،  ويجب الآن الضرب بشدة على أيدي هؤلاء الجهلة المتخلفين والشياطين الظاهرين للناس في صورة رجال دين.

*******

1

bottom of page