من هدي القرءان الكريم
سورة الحج
سورة الحج 23-24
{إِنَّ ٱللَّهَ يُدۡخِلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ يُحَلَّوۡنَ فِيهَا مِنۡ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٖ وَلُؤۡلُؤٗاۖ وَلِبَاسُهُمۡ فِيهَا حَرِيرٞ (23) وَهُدُوٓاْ إِلَى ٱلطَّيِّبِ مِنَ ٱلۡقَوۡلِ وَهُدُوٓاْ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلۡحَمِيدِ (24)} سورة الحج
الآية 24 تذكر الاسم الإلهي "الحميد"، وهذه هي المرة الوحيدة التي ورد فيها هذا الاسم منفردًا، وهذا انفراد لهذه السورة.
بِنْية الاسم:
اسم فاعل ذاتي معنوي مؤكد (صفة مشبهة) على وزن فعِيل من الفعل اللازم "حمُدَ، يحمُد"، فهو الذي جمع كل السمات اللازمة لذاته والمتعدية إلى غيره بحيث استحق أن يُحمد بها
وكذلك اسم فاعل معنوي مؤكد (صفة مشبهة وصيغة مبالغة) على وزن فعِيل من الفعلالمتعدي بنفسه وبحرف "حمِد، يحمَد".
فالاسم "الحميد" له من المعاني ما لكل فعلٍ من فعليه "حمُد" و"حمِد" لاشتراكهما في نفس الاسم.
والاسم يحقق شروط النسق الأول من الأسماء الحسنى، فالاسم ورد مطلقًا في القرءان، فالحمد سمة ثابتة لله تعالى من قبل خلق المخلوقات في كل المراتب.
وقد ورد الاسم "الحميد" أيضًا في المثاني "العزيز الحميد، الحميد المجيد، الحكيم الحميد، الوليّ الحميد، الغنيّ الحميد"
والاسم هو قطب أسماء منظومة أسماء الحمد: الحميد المجيد، الحكيم الحميد، العزيز الحميد، الغني الحميد، الحميد
فالاسم "الحميد" يشير إلى من له السمة الذاتية الواجبة الكاملة كمالا مطلقا التي من لوازمها وتفاصيلها كل سمة تستحق المدح والثناء، فكونه سبحانه محمودًا مترتب على أنه هو الحميد، ولا يجوز القول كما يفعلون بأن الحميد تعني المحمود!
فالحمد بالأصالة هو لله، والإنسان إذ يقول "الحمد لله" إنما يذكر حقيقة إلهية، يسعى هو للتوافق مع مقتضياتها، فلم يضف إليه حمدهم اسما ولا شيئا.
*******
بعد وصف ما سيحل بالذين كفروا من العذاب الشديد، وذلك من باب الإنذار والوعيد، يأتي عادة التبشير بذكر ما سيفوز به الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وقد يأتي التبشير قبل الإنذار.
فالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مبشرون بأنَّ لهم جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ، يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ.
والأساور جمع أسورة، وأسورة جمعٌ مفرده سِوار، واستعمال صيغة جمع الجمع للتكثير، فكون المرء يُحلى بأساور ذهبية كثيرة إشارة إلى أنه سيكون بالغ الثراء، يعيش في نعيمٍ مقيم.
وقد يهوِّن بعضهم من شأن هذا النعيم، وما ذلك إلا لجهلهم بحقيقة النشأة الآخرة، وإلا فليسألوا أنفسهم هذا السؤال: كيف يمكن أن يتحمل جسم الإنسان، إن كان هو هذا الجسم المعلوم البقاء في جحيم وسعير وشرب الحميم الذي يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ؟
فكذلك الأمر في الجنة، سيكون جسم الإنسان من الرقي بحيث يستمتع بما لا قبل للإنسان بتصوره الآن، فليس الحرير هو الحرير المعروف، وليس الذهب كالذهب، وليست الفواكه كالفواكه ....
لا يمكن للإنسان المقيد بهذا العالم المادي المحدود أن يخطر بباله أو وهمه أي عالمٍ آخر.
وكل إنسان تقي دخل الجنة سيكون له ما يشاء فيها، هل كل البشر، مثلًا، يستمتعون في حياتهم الدنيا بسماع السيمفونيات الكلاسيكية؟ أو بقراءة مسرحيات شكسبير؟
هذا مع العلم بأن أكثر أهل الجنة هم من بسطاء الناس، وأن هؤلاء البسطاء يفوقون كثيرًا، من حيث العدد، أولي الألباب.
*******
من الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ الذي هدى الله تعالى أهل الجنة إليه:
وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون} [الأعراف:43]
{دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين} [يونس:10]
{قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ (26) فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (27) إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ (28)} الطور
{وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِين} [الزمر:74]
هذا في حين لا يسمع أهل النار إلا ما يزيدهم عذابًا فوق العذاب، ولا ينطقون إلا بما يزيد من آلامهم وحسرتهم.
قال تعالى: {الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)} إبراهيم، {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (6)} إبراهيم
*******
إن كل ما أنزله الله تعالى إلى رسوله هو يهدي إلى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، وهو الصراط الذي يجب أن يسلكه الإنسان في حياته الدنيا، والذي يتولى أمره هو الاسم "الْعَزِيز الْحَمِيد"، لذلك فهو يتضمن أمورًا جلالية وأمورا جمالية، وهو يتضمن ما يوجب تقوى الله والخوف منه كما يتضمن ما يوجب حبه والشكر له؛ أي يتضمن ما يوجب الرهبة بقدر ما يتضمن ما يوجب الرغبة، وصراط "الْعَزِيز الْحَمِيد" هو دين الحق، ذلك لأنه صراط محمودٌ من يسلكه، ومحمودٌ هو نفسه وعاقبته، وهو الطريق المأمون الآمن الموصل إلى رضوان الله تعالى وإلى الجنة، ولذلك يدعوه سبحانه المصطفون من عباده رهبا ورغبا، حتى إذا دخلوا دار الأمان صارت التجليات عليهم محض جمالية، فالجنة على المستوى الجوهري هي صراط الحميد.
وفي آية الحج فإن المفردة "الْحَمِيدِ" تشير إلى الله تعالى، وصراط "الْحَمِيدِ" يعني أيضا الجنة باعتبار أنها طريق للفوز بنعيم الآخرة وبرضوان الله تعالى، وكذلك يعني جماع قواعد السلوك في الجنة، المؤمن الذي عاش حريصا على السير في صراط العزيز الحميد سينعم بالاهتداء إلى صراط الحميد.
*******
كُلَّما: أداة ظرفية شرطية
أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها: اسم مركب في محلّ نصب مفعول عليه
الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ: اسم مركب في محلّ نصب مفعول عليه
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ: اسم مركب في محلّ نصب مفعول عليه
يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ: اسم مركب في محلّ نصب حال
*******
1