دائرة المعارف
حرف الكاف
الكلمـة
*******
الكلمـة
إن الكلمة في المصطلح القرءاني ليست هي الكلمة بالمعنى الشائع، والكلمات ليست هي الألفاظ والمفردات اللغوية، فالكلمة الحقيقية هي كيان أمري له معناه التام كالجملة الفعلية أو الاسمية في اللغة العربية، والكلمة هي مفردة عالم الأمر، وخير ما يمكن أن يؤدي معنى تلك المفردة في الاصطلاح الحديث هو المفردة (معلومة).
فالكلمة هي كيان أمري له معناه التام الخاص ومقصده الخاص، فمن الكلمات الأوامر والشرائع والقوانين والسنن التي لابد من سريانها والكيانات التي لابد من تحققها والأحكام الواجبة النفاذ والنتائج التي لابد من ظهورها والوعود التي لابد من الوفاء بها والقرارات التي لابد من تنفيذها.
ومن الكلمات الماهيات والحقائق، وكل مخلوق هو كلمة من حيث إنه لابد من أن يؤدي معنى من المعاني أو يحقق مقصدا من المقاصد، والمخلوقات التي نيط بها تحقيق مقاصد كلية هي الكلمات الكبرى أو الكلمات التامة، وقد يطلق على الفرد منها الكلمة فقط تعظيمًا لشأنه، ومن الآيات التي توضح معنى هذا المصطلح:
{فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَسَيِّداً وَحَصُورا وَنَبِيّا مِّنَ الصَّالِحِينَ}آل عمران39، {إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ }آل عمران45، {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }آل عمران64، {وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}التوبة40، {يَحْلِفُونَ بِاللّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ }التوبة74، {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ }يونس19، {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ}هود110، {إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}هود119، {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء}إبراهيم24، {وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ}إبراهيم26، {مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً }الكهف5، {وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُسَمًّى }طه129، {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ }المؤمنون100، {أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنتَ تُنقِذُ مَن فِي النَّارِ}الزمر19، قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ }الزمر71، {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ}فصلت45، {وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ }الشورى14، {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }الشورى21، {وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} الزخرف28، {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً}الفتح26، {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }البقرة37، {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}البقرة124، {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ }الأنعام34، {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }الأنعام115، {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}الأعراف158، {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ}الأنفال7، {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }يونس64، {وَيُحِقُّ اللّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}يونس82، {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً}الكهف27، {قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً}الكهف109، {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} لقمان27، {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَإِن يَشَأِ اللَّهُ يَخْتِمْ عَلَى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}الشورى24، {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ } التحريم12.
والكلمة المنسوبة إلى الله تعالى هي الناتجة عن فعل التكلم أو فعل التكليم؛ فهي بذلك من عالم الأمر وليست من عالم الخلق، لذلك فحكم الله على الأشياء مثلا لا يدخل تحت فعل الخلق، ولكن الكلام أو الكلمات قابلة لأفعال مثل الجعل والتفصيل، ولا يجوز القول بأن الكلمات تساوق الله تعالى في مراتبة العليا، فهو متقدم عليها، وهي صادرة عنه.
والكلمة هي مفردة الكلام، وهي كيان أمري، أي هي وحدة الكيانات الأمرية، ومن أنواعها السنن وماهيات المخلوقات والمعاني والأحكام والوعود والتقديرات.
والكلمة بحكم التعريف لا تقوم أصلا بذاتها، فهي مترتبة على وجود كائن يتكلم، والمتكلم متقدم على كلمته في المرتبة، فهو سبب وجودها المباشر، وهي تشير إلى معنى كامن يريد المتكلم إظهاره أي نقله من باطن إلى ظاهر أي من غيبٍ إلى شهادة.
وكلمات الله تعالى لا حصر لها، وحقيقة المسيح عليه السلام هي كلمة من كلمات الله تعالى التي لا حصر لها، ولا يجوز القول بأن الكلمة تساوق المتكلم في مراتبه الذاتية، فهو متقدم عليها تقدمًا لانهائي الأبعاد، والنص بالذات على أن المسيح كلمته ألقاها إلى مريم هو حجة على من زعم أنه ابن الإله أو أنه أقنوم في ثالوث إلهي، فلا يمكن حتى على المستوى البشري أن تثنِّي الإنسانَ أو كيان الإنسان كلمةٌ صدرت عنه، فلا يجوز القول بأن شخصا قد صار اثنين بعد أن صدرت عنه كلمة، وإنما يمكن أن تتعدد الكلمات الصادرة عنه، فيقال مثلا: تكلم خمس كلمات.
ولقد أخطأ المعتزلة حينما حاولوا القول بأن القرءان مخلوق، وأخطأ من زعموا أن ذلك كان ليدحضوا حجة النصارى في قولهم بأن كلمة الله قديمة مثله ومحتجين بأن المسيح كما ذكر القرءان هو كلمة من الله، وكان يكفي القول بأن الكلمة لا يمكن أن تساوى في المرتبة من تكلم فكانت هي كلمة من كلامه الصادر عنه.
وقد أخطأت كل الطوائف التي لم تستطع أن تفرق بين الكلام أو التكلم كفعل إلهي ثابت لله تعالى متعالٍ على الأمور الزمانية والمكانية وبين مفعول هذا الفعل والذي يُطلق عليه "الكلام" أيضا مثلما يُطلق المصدر أو اسم المعنى "الخلْق" على المخلوقات، فالخلق هو فعل إلهي كامل تام، أما "الخلق" بمعنى المخلوقات فهي نواتج هذا الفعل، وهي بالطبع مقيدة وحادثة.
والكلمة اللغوية الأصلية باللغة العربية مكونة من حروف، والحروف هي رموز، والكلمة هي ارتباط بين هذه الحروف بطريقةٍ ما، والكلمة بذلك تصبح جملة أو عبارة في اللغة العلوية المحكمة، لها معانيها متعددة الأعماق والأبعاد، وأهمية اللسان العربي أنه اللسان الذي حافظ على طبيعته الأصلية وارتباطه باللغة العلوية المحكمة بحيث يعبر عن المعاني الغيبية بأعلى درجة ممكنة من الدقة على المستوى الإنساني.
*******
1