دائرة المعارف
حرف التاء
الترادف
الترادف
أثار بعض المجتهدين الجدد لغطا شديدا بخصوص موضوع الترادف حتى جعل دراويشهم أقواله معادلة لاكتشاف سر القنبلة الهيدروجينية أو أهم اكتشاف في تاريخ الأديان، ومن المضحك المبكي أن هذا المجتهد لم يلتزم بما زعموا له أنه اكتشفه عندما قال إن اليهود والمسيحيين والصابئين .... الخ مسلمون!
وبالطبع لا يمكن أن يكون هذا المجتهد قد زعم بالفعل أنه أول من أنكر الترادف في اللغة، فقد أنكره من قبل: ابن فارس وأبو علي الفارسي وثعلب وابن درستويه وأبو هلال العسكري والبيضاوي.
والموضوع أبسط من ذلك بكثير، وقد كان موضوع الترادف دائما محل خلاف بين اللغويين العرب، ولكل طائفة من المنكرين له أو المثبتين له حججه ووجهة نظره، والقول بأنه لا ترادف في اللغة العربية ليس إلا ترديدا لقول إحدى الطائفتين وانتصارا له؛ فلا جديد فيه، أما نحن فنقول:
1. الترادف واقع لا محالة في اللغة العربية بصورتها التي هي عليها الآن.
2. لهذا الترادف أسبابه العديدة المبيَّنة والمفصلة في كتب اللغويات.
3. وقوع الترادف في اللغة العربية لا يستلزم بالضرورة وقوعه في القرءان.
4. القرءان يستعمل الألفاظ بمعانيها الأصلية، ولسان القرءان لسان عربي مبين، لذلك لا ترادف في القرءان، فاختلاف المبنى فيه يترتب عليه بالضرورة اختلاف المعنى.
5. بل إنه يمكن أن ترد للكلمة الواحدة معانٍ عديدة بالنظر إلى سياقاتها المتعددة، أو لأسباب اصطلاحية، ويتم تحديدها باتباع منهج قرءاني صارم وحقاني.
6. بصفة عامة يوجد كلمات تتضمن نوعًا من الإبهام بحكم طبيعتها، ولا يتحدد معناها إلا في سياق، فيجب النظر إليها في سياقها، وليس بمعزل عنه.
7. القرءان هو المصدر الأعلى للسان العربي، فلا يجوز تحكيم القواعد المستمدة من أشعار الجاهلية وأقوال رجالها فيه.
*******
لغويون أنكروا الترادف: ابن فارس وأبو علي الفارسي وثعلب وابن درستويه وأبو هلال العسكري والبيضاوي.
لغويون أثبتوا الترادف: سيبويه والأصمعي وابن خالويه وابن جني والأصفهاني والفيروز أبادي وابن سيده.
فمن أنكر الترادف لم يأتِ بجديد، ومن أثبته لم يأت بجديد.
وفي الحقيقة طالما قال ابن جني بوجود الترادف فهو موجود، ألا يكفي أنه ابن جني؟؟!!
أما قولنا نحن فالترادف موجود بالفعل في اللغة لأسباب عديدة، ولكنه غير موجود في القرءان، وهذا أمرٌ بديهي، فضلًا عن كونه ثابتا.
لا يوجد ترادف في القرءان، هذا أمر معلوم، وليس بجديد، ولكن يوجد ترادف في اللغة لا ينكره إلا جاهل جهلا مروعا بها.
الحديث هو عن الترادف الاصطلاحي، وليس عن المعنى اللغوي لكلمة ترادف، الترادف الاصطلاحي هو اتفاق المعنى واختلاف اللفظ، أي أن يأتي للمعنى الواحد أكثر من لفظ، أو أن يدلّ أكثر من لفظ على معنًى واحد.
فالمترادفات في الاصطلاح هي الكلمات التي تعطي نفس المعنى أو تدل على نفس الموضوع.
هذا الترادف لا وجود له في القرءان، لا توجد كلمتان في القرءان متفقتان لفظًا مختلفتان معنى.
وإنكار وجود الترادف في كل اللسان العربي هو قول مدرسة لغوية كبرى، ومن الأقوال الشهيرة "اختلاف المبني يوجب اختلاف المعنى"، ومن المقولات المشهورة ذات الصلة قولهم "زيادة المبنى تدل على الزيادة في المعنى"، (هي عندنا قاعدة أكثرية، وليست مطلقة).
ولا يمكن أن يكون د. شحرور قد زعم أنه هو أول من نفى وجود الترادف.
ولكن الشحرورية يزعمون ذلك له، كما يحدث عند كافة الطوائف الضالة التي تزعم لمن تقدسه مآثر وصفات غيره!!
ولكن يوجد المشترك اللفظي أو اللغوي هو اتفاق اللفظ مع اختلاف المعنى، أي أن تكون كلمة واحدة، ويختلف معناها باختلاف السياق الذي وجدت فيه الكلمة
ومن أسباب ذلك الحاجة الماسة إلى كلمات لتعبر عن معانٍ جديدة وأمور مستحدثة، ومن ذلك كلمة "السيارة" مثلا، فقد طغى استعمالها الحديث على استعمالها الأصلي.
*******
الغنى في اللغو لا قيمة له، وكون أسماء الأسد أو الجمل فيها مائة اسم أو أكثر لا قيمة له.
والحق أن بعض اللغويين زعموا أن له خمسمائة اسم، وهم يتباهون بذلك!
اعترض بعضهم قائلين: إن هذه صفات للأسد وليست أسماءً.
والخلاف قديم ومعلوم بين الطائفتين من اللغويين، فأبو علي الفارسي مثلا يزعم أنه ليس للسيف مثلا إلا اسم واحد والباقي صفات!! فلا سرَّ في هذا الاتجاه، والرأي الراجح عند أغلب اللغويين أنها أسماء، أما قولنا نحن فهو كما يلي:
1. الزعم بأن البدوي الجلف كان يعلم للأسد خمسمائة اسم رغم ندرته في المنطقة هو المستحيل بعينه، فأكثر هذه الأسماء مختلق.
2. بعض هذه الأسماء كان أسماء حقيقية عند كل قبيلة من القبائل التي تتحدث بلغة عربية أو بإحدى لهجاتها أو بلغات منقرضة شبيهة بها، أو هي أسماء منقولة من لغات قريبة من العربية.
3. بعض هذه الأسماء هي بالفعل أسماء للأسد، بمعنى أن إطلاقها لا يمكن أن يعني إلا هذا الحيوان المعلوم.
4. البعض الآخر كان بالفعل صفاتٍ، ولكن كثرة استعمالها للدلالة على الأسد جعلها بمثابة أسماء حقيقية له، وبالمناسبة فالكثير من الأسماء هي كذلك، فأكثر الأسماء كان أصلا أسماء صفات.
5. من الطبيعي أن تتحول الصفة إلى اسم جنس، بل إلى اسم علَم، ويتناسى الناس أصل الاسم، وبذلك يكون اسمًا جامدا.
هذه هي النتيجة المنطقية الحقيقية من فحص أسماء الأسد، ويمكن لكل فاحص لهذه الأسماء أن يتأكد منها بنفسه، فهذه الأسماء تنقسم إلى أسماء حقيقية، وصفات أصبحت بمثابة أسماء حقيقية، وصفات ظلت صفات.
وحتى باعتبار الخمسمائة اسم المزعومين للأسد صفات، فإن ملأ قواميس اللغة بها لا جدوى منه ولا طائل من ورائه، ويمكن الاكتفاء باسمين أو ثلاثة معتمدين للأسد، ونفس الأمر يجب عمله في كل ما أورد له اللغويون ما لا حصر له من الأسماء! وأكثر ما تعددت أسماؤه هو خاص بالبيئة البدوية الفقيرة.
إنه ليس موضع فخر أن يكون للأسد أو للجمل أو للسيف مئات الأسماء، أو مئات الألفاظ الدالة عليه، ومن المضحك بالطبع أن يكون للبروتون أو للإلكترون مثلا خمسمائة اسم، يجب أن يوضع عن اللغة إصرها وأن تتحرر من أغلالها وأن يُسمح لها بالتطور.
*******
1