دائرة المعارف
حرف الظاء
ظهور دين الحق
ظهور دين الحق
قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون} [التوبة:33]، {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون} [الصف:9]
فمن هم المشركون الذين سيظهر دين الحق على ما لديهم من الدِّينِ كُلِّهِ؟
هم المشار إليهم في الآيات:
{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)} الروم
ولقد برَّأ الله تعالى رسوله مسبقًا منهم:
{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُون} [الأنعام:159]
وبالطبع حاول المفسرون التابعون للأديان الشركية التي حلت محل الإسلام، كدأبهم، أن يقصروا معنى الآيات على أهل الكتاب، فضلوا وأضلوا.
الخطاب في القرءان موجه إلى الرسول وإلى من اتبعه، أي من أعلنوا لأنفسهم وللناس أنهم يؤمنون به رسولا من عند الله.
فمن المعلوم أن الرسول تلقى رسالة واحدة، وأن دينه واحد، وليس أديانا متعددة، وأن كل دين من الأديان التي حلت محله ظهر أساسًا لأسباب عديدة، أهمها الأسباب السياسية، وأنها لا يمكن أن تكون دينًا واحدا لاختلافها في الأصول والأمور الكبرى والمصادر، وأنهم أجمعوا على تهميش القرءان وألا يأخذوا منه إلا ما يوافق أديانهم، أو لا يتعارض منها، أو ما أمكنهم تأويله ليتفق معها.
فدين الحق الذي جاء به الرسول غير ظاهر الآن للناس كافة، وقد آن أوان ظهوره، ولا يستلزم ذلك بالبديهة ظهور جماعات من الضالين المشركين المجرمين واستباحتهم دماء الناس وأموالهم، كما لا يستلزم نزول أو ظهور بشر مزودين بقدرات إلهية، فالقد أعلن الله تعالى أن سننه لا تبديل لها ولا تحويل.
فالظهور هو ظهور الحجة والبرهان، بحيث لا يستطيع الإنسان السوي المؤمن بالرسالة المحمدية إلا أن يؤمن بكل عنصر من عناصر دين الحق، وكذلك الأمر بالنسبة لأتباع الديان الأخرى إذا بلغتهم البلاغ المبين.
ومن أكبر علامات فشل الأديان التي حلت محل الإسلام:
1. أنها هوت بمتبعيها إلى الحضيض الأسفل، وجعلتهم ألعوبة في أيدي القوى الشيطانية.
2. أنها تصدّ الناس عن سبيل ربهم، فهم يقدمون للناس أسوأ الأمثلة لأتباع دين من الأديان.
وبالطبع توجد استثناءات فردية، لا تؤثر في النتيجة العامة، وهؤلاء في الحقيقة لا يتبعون مذاهبهم، وإنما يتبعون دين الحق جزئيا، وإن لم يعلموا، وذلك بمثل ما أنه قد يتحقق بعض التقدم الجزئي أو النهضة بالبعد عن الأديان الشركية في بعض البلدان، وليس بالعودة إليها.
ولا علاقة لظهور دين على غيره بالغلبة العسكرية، فقد تغلب المغول، مثلا، على أهل السنة والجماعة، وقتلوا الخليفة العباسي السني ركلًا بالأقدام، فلا يعني هذا أن دين المغول قد ظهر على الدين السني، أو ظهر على الإسلام.
وتغلب دول الغرب المسيحية أو العلمانية على (المسلمين)، واحتلالهم لبلادهم، لا يعني أن المسيحية أو العلمانية ظهرت على الإسلام.
وتغلب إسرائيل على دول إسلامية لا يعني أن اليهودية أو الصهيونية ظهرت على الإسلام.
فالتغلب العسكري له سننه وقوانينه الخاصة.
أما ظهور دين الحق على الدين كله فهو ظهور دين على أديان، أي ظهوره من حيث هو دين على أي دينٍ آخر، فهي ظهور حقه على ما لديهم من أباطيل، وظهور حقه على ما لديهم من حق ملتبس أو ممتزج بباطل، وثبوت تفوق كل عنصر في دين الحق على ما يناظره في الأديان الأخرى، ووجود عناصر حقانية فيه لا يوجد ما يناظرها في الأديان الأخرى، أو وجود أباطيل في الأديان الأخرى لا وجود لها فيه.
*******
كيف سيظهر دين الحقّ؟
هل سيظهر بأن يقوم أتباع أحد الأديان التي حلت محل الإسلام بفتح العالم واستئصال كل من لم يكن على دينهم؟!
هل سيظهر بأن تعود عهود الخلافات الدموية الإجرامية البهيمية واستعباد الناس وشحن قصور الخلفاء والأثرياء بآلاف الجواري والغلمان؟!
هل سيظهر بأن ينزل مسيح منتظر ويقوم باستئصال اليهود والنصارى والخنازير وتكسير الصلبان؟
هل سيظهر بأن يخرج مهدي منتظر شيعي من غاره فيقوم بإحياء أبي بكر وعمر ومعاوية وجلدهم وإبادة كل من لم يكن شيعيا؟
هل سيظهر بأن يخرج مهدي منتظر سني من مكانٍ ما فيحارب العالم كله ويقهر كل من لم يكن مسلما؟
هل سيظهر بأن تعتنق كل البشرية، طوعًا أو كرهًا، أحد الأديان التي حلت محلّ الإسلام؟
إن عبارة ظهور دين الحق واضحة بذاتها، ولا تحتمل تأويلا!
لا حاجة إلى أي انتظار!
دين الحق موجود وكامل، والعمل به كافٍ لتحقيق مقاصده.
دين الحقّ بكل علومه ومنظوماته وعناصره ظاهر بالفعل على الدين كله، فلا يمكن أن يُقارن دين آخر به، ولا يصح من أي دين إلا ما هو متسق معه.
*******
1