top of page

دائرة المعارف

حرف الذال

الذنب

الذنب


قال تعالى:

{فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون} [العنكبوت:40]، {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَار} [غافر:55]، {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُم} [محمد:19]، {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا} [الفتح:2]، {فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِير} [الملك:11]، {فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا} [الشمس:14]

الذنب هو، في أكثر الاستعمالات، كل فعل معبر عن مقتضيات النقص الإنساني كرد فعل على أمر ديني، لذلك من مظاهره الإثم والجرم والمعصية والخطيئة والتقصير، وهو أيضًا يتضمن عاقبة هذا الفعل، وهو يتفاوت تفاوتا هائلا، فمنه ما يمكن التجاوز عنه، ومنه ما يترتب عليه عقاب شديد وأخذٌ أليم.

لذلك من معاني الذنب المعصية وجريرة المعصية وعاقبتها أي الآثار المترتبة عليها، فكل من خالف أمرا إلهيا أي أمرا قرءانيا فقد عصى ربه واقترف ذنبا وترتب على معصيته آثار تُعرف أيضا بالذنب، والمبادرة بالتوبة والاستغفار تحمي الإنسان من آثار المعصية ونتائجها، فيُقال إن ذنبه قد غُفِر.

ولكن الذنب لا يعني دائما وبالضرورة عصيان الأمر الإلهي أو المعصية، وإنما هو يعبر بصفة عامة عن آثار النقص النسبي اللازم للعمل الإنساني الاختياري، لذلك فالإنسان الذي هو في ترقٍّ مستمر يرى دائما أعماله السابقة أقل مما كان ينبغي أن يقوم به؛ أي يرى أنه كان من الممكن أن يؤديها بطريقة أفضل فيشعر أنه مذنب، ويرى أن هذا الذنب وزر يحمله على كاهله.

كذلك لا يستطيع إنسان القيام بما يجب لله تعالى من الحقوق، ذلك لأن له الكمال المطلق الذي لا يتناهى، وإن كل لحظة تأتي على إنسانٍ ما توجب عليه حقوقًا جديدة تجاه ربه، وكل تجلٍّ من تجلياته يجب ملاقاته بالأدب اللائق، فلا يستطيع الإنسان بإمكاناته المحدودة مقابلة كل تجلٍّ جديد بما يليق به من الأدب، هذا فضلا عن التقصير في أداء حق التجليات القديمة الذي يوجب الاستغفار.

ومعرفة الكمَّل بذلك تورثهم خشية من ربهم ورهبة وخوفًا من التقصير في أداء ما هو منوط بهم، فإن من يسعى على صراط من له الكمال اللانهائي المطلق يشعر دائما أنه مازال أمامه الكثير ليفعله وأنه لم يحقق كل ما كان يأمله، لكل هذا كانت المداومة على الاستغفار عنوان النجاة والسعادة والرقي الدائم المتواصل.

والإنسان بحكم أنه لابد وأن ينشغل بعوارض ومقتضيات جسمه الذي هو مملكته اللازمة لابد له من شيء من القصور عن متابعة الترقي، وكذلك لابد له من الإحساس بشيء من الاستقلالية في الوجود والاستقلالية بالصفات الحسنة، فهو لا يمكن أن يرى الحقائق على صورتها الأصلية، فكل ذلك يسبب لا محالة آثارا هي أيضاً مما يُعرف بالذنب.

لذلك لا يخلو كائن بشري من ذنب لأنه لابد له من شيء من الإحساس بوجوده الخاص وبمقتضيات بشريته تشغله عن مواصلة الترقي والاستفادة الأمثل مما هو متاح له من وقت وإمكانات، وهذا ما يشغل بال الأكابر، لذلك يطمئنهم الله الغفور الرحيم بأنه قد غفر لهم مقدما مثل هذه الذنوب بمعنى أنه سيحميهم من هذه الآثار ويتم نعمته عليهم.

والذنب أمر نسبي، فكلما ارتقى الإنسان كلما اشتدت مؤاخذته على ما يمكن أن يُعتبر هفوة صغيرة بالنسبة لمن هم من دونه، ذلك لأن الإنسان إذا فُتح له باب الترقي فإنه يمكنه في لحظة زمنية أن يحقق قدرا هائلا من الرقي على المستوى الجوهري قد لا يستطيع من هم من دونه تحقيقه في بضع سنين مثلا، فأي خطأ بسيط يضيع عليه قدرا هائلا من الترقي، ولذلك تشتد حاجة الإنسان إلى  التسبيح بحمد الله والاستغفار والتوبة إليه كلما علت مرتبته.

*****

الذنب لا يترتب بالضرورة على معصية، فمن الذنوب ما هو نتيجة أمور طبيعية لا محيص عنها ولا مفر منها، ومن ذلك ما يترتب على انشغال الإنسان بتلبية مطالب جسمه أو بالآخرين من غفلة عارضة، ومن ذلك انشغال الإنسان بحالته عن الحالة الأعلى، وبذلك يكون أكابر الصالحين في قلق وانشغال بهذا الأمر، والأمر بالاستغفار هو للتخفيف من وطأة آثار كل ذلك.

فالاستغفار هو ركن فرعي من أركان الدين، وهو من الأوامر القرءانية الكبرى، والأوامر به أكثر عددا وأقوى من الأوامر بالصيام أو الحج، وهو أيضا من لوازم أركان دينية كبرى، منها:

1- عبادة الله تعالى بإخلاص والاستجابة له بالسعي للقيام بحقوق أسمائه الحسنى والحياة وفق مقتضياتها.

2- ذكر الله؛ ذكر أسماء الله الواردة في القرءان وذكر الآيات التي ورد فيها الأسماء والتسبيح لله والتسبيح بحمد الله والتكبير والاستغفار والحمد والشكر وذكر نعمة الله.

3- العمل على إقامة صلة وثيقة بالله تعالى وعلاقة حميمة معه سبحانه ودعمها وترسيخها.

4- التزكي

فالاستغفار هو ركن فرعي من أركان الدين، وهو من مقتضيات القيام بحقوق منظومة المغفرة والتي تتضمن الأسماء التي تشير إلى  صفة المغفرة مثل: (الغفَّار، الغفور، الغافر، ذو مغفرة، واسع المغفرة، الغفور الرحيم، الْغَفُورُ الْوَدُود، الرحيم الغفور، الغفور الحليم، الحليم الغفور، الغفور الشكور، العزيز الغفَّار، العزيز الغفور).

والاستغفار لازم لكل إنسان وذلك للنقص الملازم لماهيته واللازم لتعينها والذي يسري ويظهر في كل عمل من أعماله، فالإنسان في حاجة للوقاية من آثار أعماله للنقص الظاهر فيها والملازم لها، هذا بالإضافة إلى  أنه لا يستطيع أحد القيام بما يجب للإله الأعظم من الحقوق، كما أن من يسعى على صراط من له الكمال اللانهائي المطلق يشعر دائما أنه مازال أمامه بقدر ما ترك وراءه وأنه مطالب بأداء واجبات لا تتناهى وأن ما قدمه لا يعد شيئا مذكورا بجانب ما يجب أن يقدمه، هذا بالإضافة إلى  أن من يترقى بصفة دائمة يحس بقصور الحالة التي كان عليها، لذلك كان الاستغفار عنوان النجاة والسعادة والترقي الدائم.

*******

1

bottom of page